هولندا.. اجتهاد بالميز والعنصرية وتكاسل بتنفيذ توصيات مكافحتهما

تصور أنك تسير في شارع ما، وقررت فجأة تغييرالإتجاه الذي تسير فيه، وتنقلت من رصيف إلى آخر، وعند وصولك
الى الرصيف المقابل في الجهة الأخرى من الشارع، يوقفك شرطيان كانا يراقبان حركاتك عن بعد وأنت تسير قبالتهم، يتفحصون هيأتك وملامح وجهك، دون أن تلاحظ أنت وجودهما وإهتمامهما البالغ بشخصك، وعند إقترابك منهما يطلب منك أحدهما بأدب، الإدلاء بوثيقة إثبات هويتك وبعد التأكد منها هويتك، يعيد لك بطاقة التعريف، و يأذن لك بالإنصراف، مسألة يمكن إعتبارها عادية، كما يمكن أيضا قبل أن يأذن لك بالإنصراف أن يطلب منك أحدهما بنبرة آمرة وبأدب أيضا، أن ترفع يديك عاليا، وبمجرد أن ترفع يديك، يشرع بتفتيشك من كتفيك الى قدميك، وبعد أن يتأكدا من أنك لا تحمل شيئا يمنع حمله، تسلم لك بطاقة هويتك ويسمح لك بالإنصراف عملية يمكن أيضا إعتبارها عادية في حالات إستثنائية . ما لا يمكن إعتباره عاديا حسب تقرير صدر مؤخرا عن منظمة العفو الدولية (Amnesty international) هو أن يتم توقيفك والتدقيق في هويتك وتفتيش جيوبك إعتمادا على هيأتك وملامحك أو لون بشرتك، دون وجود مبررات موضوعية، مرتبطة، بجريمة أو بمخالفة 
تقرير منظمة العفو الولية:
ربط هذه المواصفات الإثنية "بالمراقبة إلإستباقية" (لتفادي الجرائم قبل وقوعها) يشكل حسب تقرير منظمة العفو الدولية، شكلا من أشكال التمييز العنصري ويشكل خطرا يهدد حقوق الإنسان.
الشرطة الهولندية تقول أمنيستي في التقرير أنها تعتمد في تطبيق مفهوم "المراقبة الإستباقية" للحفاظ على الأمن على مواصفات لا علاقة لها بالجرائم، و تطالب في تقريرها الصادر في نهاية شهر أكتوبر الماضي من الحكومة إلغاء الربط بين إثنية المواطنين والمراقبة الإستباقية.
في رد على تقرير المنظمة ينفي قائد الشرطة الوطنية نفيا قاطعا أن يكون رجاله يعتمدون الموصفات الإثنية في عمليات المراقبة الاستباقية، مستثنيا عددا من الحالات التي وصفها بالقليلة والمعزولة.
منظمة العفو الدولية تقول في تقريرها أن عدد الحالات التي تم فيها المراقبة عملا بالربط بين المواصفات الإثنية والمراقبة الإستباقية، وصل عددا لا يمكن وصفه "بحالات قليلة ومعزولة " و طالبت من السلطات الهولندية، إلغاء ربط المواصفات الإثنية بالمراقبة الإستباقية.
وتجدر الإشارة هنا الى أن هذه هي المرة الأولى حسب علم كاتب المقال الذي توجه فيه المنظمة إنتقادا للحكومة الهولندية في مجال إحترام حقوق الإنسان، على الأقل في العقدين الماضيين، كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن أمنستي تشير في تقريرها الى أن عددا آخر من منظمات حقوق الإنسان الدولية من بينها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة و اللجنة الأوروبية لمكافحة التمييز العنصري وعدم التسامح، أعلنتا في مناسبات مختلفة عن قلقهما من إعتماد السلطات الأمنية الهولندية الربط بين "المواصفات الإثنية والمراقبة الإستباقية" و طلبتا من الحكومة الهولندية العمل على إلغاء الإجراء.
السياسة الهولندية سياسة عنصرية:
هذه العبارة، تتردد خلال السنوات القليلة الماضية همسا وسط الجاليات الأجنبية المقيمة في هولندا، ومن جملتها الجالية المغربية، و ذلك بعد ظهور العديد من الإجراءات التي شرعت الحكومة الحالية في تطبيقها وأخرى تقوم بإعدادها والتي تمس بالأساس المهاجرين المغاربة و الأتراك، منها على سبيل المثال، محاولتها تخفيض مستوى عدد من التعويضات التي تصرف لمستحقيها خارج هولندا، مبررة ذلك بإنخفاض تكاليف العيش في تركيا و المغرب مقارنة مع تكاليف العيش في هولندا، و اعتماد قانون يمنع صرف التعويضات الى خارج حدود الإتحاد الأوروبي، الذي لا زال مطروحا على طاولة مجلس الشيوخ الذي ينتظرالموافقة عليه، وأخيرا محاولة تسخير القوانين الضريبية في غير محلها، لتضييق الخناق على المهاجرين، و إجراءات أخرى مختلفة و متعددة لا مجال لذكرها، يجعل الأصوات التي تتهم هولندا في السنوات القليلة الماضية، بممارسة التمييز العنصري ترتفع يوما بعد يوم .
إتهام هولندا بلد التسامح، بلد التضامن والمساواة بين كافة مواطنيها لو أنه جاء على لسان مواطن منحدر من بلد آخر، يمكن إعتباره إتهاما مردودا عليه، أو على الأقل اتهاما مبالغا فيه، هولندا بلد العدالة و الحرية الذي ينص دستورها في فصله الأول: "....على أن التمييز بين المواطنين، على أساس ديني، عقائدي،عرقي، سياسي، جنسي، رأيي، أو لأسباب أخرى، غير مسموح به في هولندا "ْ. كيف يمكن إذاً، وصف سياسة هذا البلد بممارسة التمييز و العنصرية في تعامله مع فئات مختلفة من الأقليات، التي أصبحت تشكل جزءا من المجتمع الهولندي؟
وصف السياسة الهولندية بالعنصرية، جاء حديثا على لسان السيد (أليكس برنينينكمايار) رئيس مصلحة وطنية هولندية (يمكن مقارنتها الى حد ما بمصلحة " الوسيط " في المغرب) في تعليقه على تقرير عن التمييز و العنصرية في بلده، قامت بإعداده لجنة مكافحة التمييز والعنصرية وعدم التسامح، التابعة للمجلس الأوروبي (ECRI) هذه اللجنة تصدر كل خمس سنوات تقريرا مفصلا عن وجود التمييز العنصري ومستواه في عدد من الدول الأروبية، كما تقدم اللجنة في تقاريرها، إقتراحات وتوصيات موجهة لحكومات الدول التي شملتها ببحثها، التي يمكن إعتمادها للقضاء على التمييز والعنصرية .
في ما يخص التمييز و العنصرية في هولندا، إنطلاقا من تقرير اللجنة الصادر في أواخر شهر أكتوبر الماضي - وهذا تعبيركاتب المقال، يمكن إعتبار هولندا في السنوات الأخيرة "بمثابة التلميذ المجتهد في القسم " في مجال إعتماد التمييز والعنصرية "و بالتلميذا الكسول " في ما يخص تفعيل توصيات اللجنة الأوربية لمكافحة التمييز و العنصرية. اللجنة تضع هولندا في تقريرها، في مقدمة دول الأتحاد الأوربي، في إعتماد التمييز و العنصرية مع أقلياتها بعد النمسا و اليونان.
في ما يخص توصيات اللجنة الأروبية التي تضمنها تقريرها الثالث (2008) لفتح عدد من القطاعات المتصلبة في هولندا، ومنها سوق العمل في وجه الأقليات الضعيفة في المجتمع (الأتراك والمغاربة والأنتليانيين ) تقول اللجنة في تقريرها الجديد 2013 أنها لم تطبق بعد، وأكثر من هذا تقول اللجنة " أقدمت الحكومة خلال الخمس سنوات الماضية ، الفاصلة بين التقريرين، على إلغاء كل "الإجراءات القانونية والمالية " لمساعدة الفئات الثلاث في الولوج إلى سوق العمل."
الحكومة الهولنية، تبرر حسب تقريراللجنة، الغاء تلك الإجراءات بالقول أنها تضعها في متناول كل من يحتاجها، دون إعتبار لأصله ولا لانتمائه الاثني أو العرقي، ومرة أخرى توصي في الحكومة الهولندية وبإلحاح اعتماد آليات وإجراءات خاصة لمكافحة التمييز العنصري في ميدان العمل، لمساعدة الفئات الضعيفة في الولوج الى سوق العمل.
في قطاع السكن:
تقول اللجنة الأوروبية في تقريرها أن التوصيات التي تضمنها تقريرها الثالث (2008) بهدف التصدي لسياسة إسكان الأقليات في الأحياء السكنية المهمشة لم تنفذ، و وجود أحياء معينة في المدن الأربعة الكبرى، حيث تقطن نسبة عالية من الأقليات مقارنة مع نسبة الهولنديين، لا يزال قائما، و السياسة السكنية تقول اللجنة، تزيد في تقوية عزلة الأقليات في المجتمع، كما تخلف أثارا سلبية أخرى على التعليم.
في الولوج الى المؤسسات المالية:
خلال البحث السابق الذي أجرته اللجنة في هولندا لإعداد تقريرها الثالث (2008) ظهر أن المؤسسات المالية ترفض منح قروض للراغبين في شراء سكن في الأحياء التي يشكل الأقليات غالبية ساكنتها، الشيء الذي اعتبرته اللجنة وقتها تمييزا عنصريا خفيا، وعملا بتوصياتها قامت المؤسسات المالية بصياغة "مدونة قواعد سلوك المؤسسات المالية" تمنع فيها رفض طلبات الحصول على قروض بنكية بناء على أساس ديني و عرقي أو لجنسية طالبها أو لكون المنزل يقع في منطقة معينة.
لجنة مكافحة التمييز العنصري وعدم التسامح، تعبر في تقريرها الجديد(2013)عن إرتياحها و تفاؤلها لإعتماد المدونة والشروع في تطبيقبها، و تقترح إنشاء مرصد لتقييم نتائجها.
في مجال الحصول على تعويض المساعدة:
تقول اللجنة في تقريرها الرابع، حول الوضع في هولندا، أنها إطلعت أثناء بحثها السابق، خلال فترة ولاية الحكومة السابقة على وثيقة تتضمن شرطا إضافيا للحصول على المساعدة في حالة إنعدام الدخل، تقول ما يلي "إذا ثبت أن تصرفات الشخص أو شكل ملبسه يشكلان عائقا في حصوله على عمل، يتم رفض طلبه، تخفيض تعويضه أو الغاؤه".
اللجنة تذكرحادثة قام فيها مواطن يتقاضى تعويضا، برفع دعوى الى المحكمة الإدارية في أمستردام ضد مصلحة تقديم المساعدة، التي خفضت تعويضه بمبلغ 200 أورو لأنه لم يبذل ، حسب رأيها، كل ما في وسعه للحصول على عمل.
المشتكي في هذه الحالة، عرضت عليه المصلحة المكلفة بالتشغيل وظيفتين، الأولى كحارس رفضها لأن شروط الحصول عليها تلزمه جعل طول لحيته لا يتعدى 5 سنتيمترات، ،و الثانية كموظف في مكتب الإستقبالات رفضها أيضا لأنها تلزمه مصافحة النساء، ورفضه لأسباب دينية.. لجنة مكافحة التمييز العنصري وعدم التسامح، لم تذكرفي تقريرها البلد الذي ينحذرمنه المشتكي، ولا كم كان وقتها طول لحيته، ما ذكرته اللجنة هو أن المحكمة الإدارية رفضت شكايته.
قي تقريرها توصي اللجنة البرلمان الهولندي بعدم المصادقة على الفقرة المشار اليها، في حالة ما إذا لم يكن قد تمت المصادقة عليها.. و للإطلاع على تقرير اللجنة الأوروبية لمكافحة الميز العنصري وعدم التسامح، الوضع في هولندا 2013 كاملا باللغة الفرنسية: أضغط عنا..

0 التعليقات لموضوع "هولندا.. اجتهاد بالميز والعنصرية وتكاسل بتنفيذ توصيات مكافحتهما"


الابتسامات الابتسامات